الأربعاء، 10 ديسمبر 2008

الموسيقى بين الحلال والحرام

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الامام أبو حامد الغزالي رحمه الله
صاحب "احياء علوم الدين"

(من لم يحركه العود وأوتاره، والربيع وأزهاره، فهو فاسد المزاج ليس له علاج )



لقد كثر اللغط حول تحريم الموسيقى
وللأسف الشديد فإن معظم من قال بحرمتها لا يعرف شيئاً عنها غير وجود بعضٍ منها في بيوت الدعارة والحانات..

ومصاحبتها لمجالس العهر والمقامرة .. ووجودها بقوة في تلك الأماكن الموبوءة.

من اطلع على تاريخ التطور الموسيقي، لا يمكنه أن يجزم بكونها شيئاً غير سوي، أو عملاً شيطانياً يستحق فاعله الخلود في لعنة الله !!

فالله تعالى جميل ويحب الجمال

وليست الموسيقى إلا ضرباً من ضروب الجمال .. وهي جمال مسموع كما وصفها الشيخ يوسف القرضاوي في موقعه الرسمي (1)

من هذا المنطلق فإني أدعو اخواني ممن يقولون بحرمة الموسيقى والغناء الى الاطلاع على بحثٍ أعده أحد الاخوة مشكوراً يتناول فيه مسأله التحليل والتحريم في الموسيقى
كما أني ادعو الاخوة ممن يرون الحلية فيها ان يطلعوا عليه أيضاً لتكون عندهم الحجة التي طمسها "أو يحاول طمسها" من يدعي اتباع منهج السلف.

********************************

الغناء والمعازف :

قد اختلف العلماء في سماع الغناء وآلات اللهو قديماً وحديثاً وأكثروا القول فيه بل كتبوا فيه المصنفات ، واستقصوا الروايات ، وها أنا أذكر أقوى ما ورد من الأحاديث في هذا الباب .

* أحاديث الحظر :

1ـ عن عبدالرحمن بن غنم الأشعري قال : حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري ـ والله ما كذبني ـ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ليكوننَّ من أمتي أقوامٌ يستحلون الحِرَ ، والحريرَ ، والخمرَ ، والمعازف ، .... " الحديث .


وقد أعله جماعة من الحفاظ من وجوه :

أحدها : الانقطاع ، فإن البخاري إنما علقه عن شيخه هشام بن عمار فقال في " صحيحه " ، قال هشام بن عمار ، حدثنا صدقة بن خالد ، ثم ساق إسناده ولم يصرح بالسماع من هشام ، قال ابن حزم : لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد وإنما علقه البخاري ، فلا حجة فيه .

وثانيها : أنه حكى ابن الجنيد ، عن يحيى بن معين : أن صدقه بن خالد المذكور ليس بشيء ، وروى المروزي عن أحمد : أنه ليس بمستقيم .

وثالثها : جهالة عطية بن قيس . قلت : وتمسك بهذه الشبهة حسان عبدالمنان .

ورابعها : ما ذكره ابن حزم وهو : أن الراوي شك في اسم الصحابي فجآء بأداةِ الترديد كما سلف . قال المهلب : وذلك هو سبب كون البخاري لم يقل فيه : حدثنا هشام .

وخامسها : إن الحديث مضطرب سنداً ومتناً .

أما الإسناد : فلتردد في اسم الصحابي ، فقيل : أبو عامر ، وقيل : أبو مالك كما سلف .

ورواه أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي مالك بغير شك .

ورواه أبو داود من حديث أبي عامر وأبي مالك وهي رواية ابن داسة عن أبي داود .

وفي رواية الرملي عنه بالشك .

وفي رواية ابن حبان أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأشعريين .

وأما اضطراب المتن :

ففي لفظة يستحلون كما سلف ، وفي طريق ذكرها البخاري في " التاريخ " بدونه .

وعند أحمد وابن أبي شيبة بلفظ : " ليشربن اناس من أمتي الخمر ... " .

وفي رواية : " الحرّ " بمهملتين وهو الفرج وهو كذلك في معظم الروايات ولم يذكر عياض ومن تبعه غيره والمعنى : يستحلون الزنا وضبطه ابن التين بالمعجمتين وقال : هو عند البخاري كذلك وكذا وقع في رواية أبي داود ، وقال ابن الأثير : المشهور في رواية هذا الحديث بالإعجام وهو ضربٌ من الإبريسم .

وخامس الوجوه : أن لفظة المعازف التي هي محل النزاع ليست عند أبي داود .

قال أبو عبدالرحمن : هذا كل ما قيل في علل هذا الحديث وهي عند التحقيق لا شيء ولا تؤثر في صحة الحديث البتة . وقد بينتُ ذلك غاية البيان في جزء لي في تخريج هذا الحديث وبيان صحته .

وقد وقع الخلاف في دلالة الحديث ، قال الإمام محمد بن إبراهيم الوزير ـ رحمه الله ـ صاحب " العواصم والقواصم " في كتابه : تنقيح الأنظار في معرفة علوم الآثار " (59ـ61) : الصحيح صحة الحديث بلا ريب ولكن دلالته على التحريم ظنية معارضة .... ألخ .

حول دلالة الحديث على التحريم أم لا : انظر " نيل الأوطار " (8/ 260ـ 271) و " إبطال دعوى الإجماع في تحريم مطلق السماع " كلاهما للإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ ، والموسيقى والغناء في ميزان الإسلام للعلامة عبدالله بن يوسف الجديع ـ حفظه المولى ـ (ص88 ـ 102) .

2ـ عن عبدالرحمن بن سابط قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في أمتي خسفاً وقذفاً ، قالوا : يارسول الله ! وهم يشهدون أن لا إله إلا الله ؟ فقال : نعم ، إذا ظهرت المعازف ، والخمور ، ولبس الحرير " .



وطرق هذا الحديث مخلخلة بالضعف والبعض منها ليس فيه ذكر المعازف ، لذا نجد الشيخ الفاضل عمرو عبدالمنعم سليم ضعف هذا الحديث عند تحقيقه كتاب " ذم الملاهي " لا بن أبي الدنيا . وأما العلامة عبدالله بن يوسف الجديع فقد حسنه في كتابه الماتع " أحاديث ذم الغناء والمعازف " (ص 35 ) وفي " الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام " (ص318ـ 324) .

3ـ عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم ذات يوم في المسجد ، فقال : " إن ربي عزَّوجل حرَّم عليَّ الخمرَ ، والميسرَ والكوبةَ " .


والحديث صحيح . مع العلم أن الإمام الذهبي قال عنه في " الميزان " ( 7/ 134) : والخبر معلول في الكوبة والغبيراء . قلت : لعله يقصد بعض طرق الحديث . انظر " أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان " ( ص 40) و " الموسيقى والغناء في ميزان اللإسلام " (ص 327 ـ 340) .

قلت : والكوبة اختلف في تفسيرها فقيل الطبل ، وقيل النرد في كلام أهل اليمن ، وقيل البربط ، وقيل : كلّ شيء يكبّ عليه .


4ـ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن كسب الزمّارة .

وهذا حديث صحيح . انظر " أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان " (ص 50) و" الموسيقى والغناء في الإسلام " (ص359 ـ 365) .

لكن جاء في بعض طرقه تفسير الزمارة بالزانية من كلام راويه .

* أحاديث الإباحة :



. 1ـ عن نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع ، فوضع أصبعيه في أذنيه ، وعدل راحلته عن الطريق ، وهو يقول : يا نافع أتسمع ؟ فأقول : نعم ، فيمضي حتى قلت : لا فوضع يديه ، وأعاد راحلته إلى الطريق ، وقال : رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسمع صوت زمّارة راع فصنع مثل هذا "

. ودليل الاباحة هنا هو سماح ابن عمر لنافع بالسماع نيابة عنه ! ولو كان حراماً بالمطلق لأمر نافع بسد أذنيه أيضاً !
وقبل ذلك كله لم يمنع الرسول الكريم ابن عمر من السماع بل اكتفى بسد اذنيه الشريفتين وترك ابن عمر يسمع !


صحيح . انظر : " أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان " (ص49) و" الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام " (ص353ـ 359) .



رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه وأحمد وغيرهم . انظر : الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام " (ص365 ـ 381) .
2ـ عن عامر بن سعد البجلي قال : دخلت على أبي مسعود وأبي بن كعب وثابت بن زيد ، وجواري يضربن بدف لهن ويغنين ، فقلت : أتقرون بهذا وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أنه رُخِّص لنا في العرس ، والبكاء على الميت في غير نَوْح . 3ـ عن عائشة أن أبا بكر دخل عليها ـ والنبي صلى الله عليه وسلم عندها يوم فطر أو أضحى ، وعندها قينتان تغنيان بما تعازفت الأنصار يوم بُعاث ، فقال أبو بكر : مزمار الشيطان ؟ ـ مرتين ـ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعهما يا أبابكر ، إت لكلّ قومٍ عيداً ، وإن عيدَنا هذا اليوم .

والمعروف أن العيد لا يحل الحرام .
كما أن الدفوف ليست بمزامير.

4ـ عن السائب بن يزيد أنَّ امرأةً جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " ياعائشة ! أتعرفين هذه ؟ " قالت : لا ، يانبي الله ! فقال : هذه قينة بني فلان ، تحبين أن تغنيك ؟ " قالت : نعم ، قال : فأعطاها طبقاً ، فغنتها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد نفخ الشيطانُ في منخريها " .

بالله عليكم كيف يسأل الرسول الكريم زوجته ان كانت تحب الحرام وتحاوبه بنعم ويقر لها ذلك !!
وما قوله (ص) قد نفخ الشيطان في منخريها الا مجازاً .. لأن الشيطان لا يدخل بيت رسول الله !

ومن قال ان الرسول لم يرد المجاز فقد أدخل الشيطان في دار النبوة !!

صحيح . انظر : " أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان " (ص 53) و" الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام " (ص383 ـ 384) .



صحيح . انظر : " الصحيحة " رقم ( 1609 و 2261) و " تحريم آلات الطرب " (ص 122) ، و" الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام " (ص 381ـ 383) .


5ـ عن بريدة : أنَّ أمةً سوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ورجع من بعض مغازيه ـ فقالت : إني كنت نذرت إن ردك الله صالحاً ( وفي رواية : سالماً ) أن أضرب عندك بالدف [ وأتغنى ] ؟ قال : " إن كنت فعلت ( وفي الرواية الأخرى : نذرت ) ، فافعلي ، وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي " .فضربت ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ثم دخل عمر ، قال : فجعلت دفّها خلفها ، ( وفي الرواية الأخرى : تحت استِها ثم قعدت عليه ) ، وهي مقنّعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان ليفرق ( وفي الرواية الأخرى : ليخاف ) منك ياعمر ! أنا جالس ههنا [ وهي تضرب ] ، ودخل هؤلاء [هي تضرب] ، فلمّا أن دخلت [أنت ياعمر ] فعلنْ ما فعلتْ ، ( وفي الرواية الأخرى : ألقت الدّفّ ) " .

والنذور لا تحل الحرام .
ومثل ما نقول بالعامي: نذرت تصاقل عند الرسول الكريم !

وأما الملون بالاحمر فهو موجه الى سقيم الفهم.. فلا يصح أن نقول أن ضرب الدف والغناء حلال على الاماء السود وحرام على الحرائر البيض !!

كما أنه يدل على اباحة الغناء بصوت المرأة..

وان قال البعض ان الوضع مختلف فان المرأة قد نذرت .. فنقول :
اذا كان النذر يبيح المحظورات .. فلننذر إذا اذا طلعت الشمس غداً أن نعزف ونغني كلما شئنا !!
وبذلك صار الحرام حلالاً !!!!!!!



حديث حسن . انظر : " آداب الزفاف في السنة المطهرة " (ص 183) و " إرواء الغليل رقم (1994) .

6ـ عن أبي بلج يحيى بن سليم قال : قلت لمحمد بن حاطب : تزوجت امرأتين ما كان في واحدة منهما صوت ، يعني دفاً ، فقال محمد رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فصل ما بين الحلال والحرام الصوت بالدف " .
والمقصود هنا بأن احد الزيجتين كان بما دف والثانية لا.
وقوله (ص) "فصل ما بين الحلال والحرام الصوت بالدف" أي الاعلان في العرس بالصوت بالدف و الفرق بينه وبين الحرام (الزنى) وخلوه من الاشهار



رواه البخاري ، وأحمد ، والبيهقي والمحاملي في " صلاة العيدين " وغيرهم .

7ـ عن الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ قالت : جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بُني على ، فجلس على فراشي مجلسك مني ، ( الخطاب للراوي عنها ) ، فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف ، ويندبن من قُتل من آبائي يوم بدر ، إذ قالت إحداهن : وفينا نبي يعلم ما في غد . فقال : " دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين " .

ودليل الاباحة هنا قوله (ص) : "وقولي باللذي كنت تقولين" وهذا الحديث فيه دليل على عدم علم الرسول الكريم بالغيب وليس حرمة الغناء بالمطلق !



رواه البخاري ، والحاكم ، وعنه البيهقي .

8ـ عن عائشة أنها زَفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " يا عائشة ! ما كان معكم لهو ، فإن الأنصار يعجبهم اللهو ؟ " .
فهل يجوز تغيير معنى اللهو هنا ؟ أوليس اللهو هو الغناء؟
وهل يحث الرسول الكريم على خبيث ؟؟

وفي رواية بلفظ : " فقال : فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني ؟ قلت : تقول ما ذا ؟ قال : تقول :

أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم

لولا الذهب الأحمر ... ما حلت بواديكم

لولا الحنطة السمراء ... ما سمنت عذاريكم " .

قلت : هذه الرواية فيها كلام غير أن الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ حسنها . انظر : " إرواء الغليل " رقم (1995) و " آداب الزفاف في السنة المطهرة " (ص 181 ) .

( تنويه ) : اعلم أن الطرف الأول وهو المانع احتج بالأحاديث ( 1، 2 ، 3 ، 4 ) من أدلة الطرف الثاني وهو المبيح .

قال أبو عبدالرحمن : هذه اقوى أدلة الطرفين وبقية ما ورد في الباب فهو لا يثبت من الناحية الحديثية .

بالنسبة للأثر الذي أخرجه ابن أبي شيبة ، وابن أبي الدنيا ، وابن جرير ، والحاكم ، والبيهقي ، وابن الجوزي وغيرهم من طريق حميد الخراط ، عن عمار الدهني ، عن سعيد بن جبير ، عن أبي الصهباء البكري أنه سمع عبدالله بن مسعود وهو يُسأل عن هذه الآية : ( ومنَ الناس منْ يشتري لهوَ الحديث ليُضلَّ عن سبيل الله بغير علم ... ) فقال عبدالله : الغناءُ والذي لا إله إلا هو ـ يرددها ثلاث مرات .

قلتُ : وهذا إسناد جيد ، لكن قد يُعل بما جاء في " العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد بن محمد بن حنبل " (2/ 459) رقم (3033) : حدثني عبيدالله بن عمر القواريري ، قال : سمعتُ أبا بكر بن عياش يقول : مرّ بي عمّار الدهني فدعوته فقلت له : يا عمار تعال ، فجاء فقلتُ له : سمعتَ من سعيد بن جبير شيئاً ؟ قال : لا فقلت : إذهب .

قال أبو عبدالرحمن : من بلغ رتبة الإجتهاد كالإمام العظيم أبي محمد بن حزم ـ رحمه الله ـ ثم بحث مسألة الغناء وأشبعها بحثاً ـ سنداً ومتناً ـ ثم توصل في نهاية بحثه إلى القول أنه : " لا يصح في هذا الباب شيء أبداً ، وكل ما فيه موضوع " مع وجود عدة أحاديث فيها جواز الغناء والدف مع أخذ بعين الاعتبار أن الأصل في هذه المسألة أنها داخلة في باب العادات ، ومعلوم أن الأصل في كل عادة الإباحة ، ولا يُقال بنقلِ عادةٍ عن هذا الأصل إلى سواه إلا ببرهان ، فعلى هذه المقدمات التي بناها الإمام ابن حزم ـ رحمه الله ـ فتكون النتيجة الحتمية هي جواز الغناء وإباحته ؛ لأنه لم يجد حال للشرع تستصحب ، والظن بمثل هذا الإمام الفحل أنه لو صحّ الحديث عنده لما تردد في الأخذ به ؛ كما هو منهجه في اتباع النَّصِّ ، وقد أقسم على ذلك في خصوص هذه المسألة ؛ فقال ـ بعد كلامه المتقدم ـ : " ووالله ! لو أُسْنِدَ جميعه ـ أو واحد منه فأكثر ـ من طريق الثقات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لما تردَّدنا في الأخذ به " .

والإمام العظيم الجليل ناصر السنة وقامع البدعة أبو محمد بن حزم ـ رحمه الله ـ رجاع للحق متى ما ظهر له يوضح ذلك ما جاء على لسانه في " التقريب لحدّ المنطق " (4/ 337ـ 338 ـ رسائله ) ، قال :

" أني ناظرت رجلاً من أصحابنا في مسألة فعلوته فيها لبكوء كان في لسانه ، وانفصل المجلس على أني ظاهر ، فلما أتيت منزلي حاك في صدري منها شيء ، فتطلبتها في بعض الكتب فوجدت برهاناً صحيحاً يبين بطلان قولي وصحةَ قولِ خصمي ، وكان معي أحد أصحابنا ممن شهد ذلك المجلس فعرفته بذلك ، ثم رآني قد علَّمت على المكان من الكتاب ، فقال لي ما تريد ؟ فقلت : أريد حمل هذا الكتاب وعرضه على فلان وإعلامه بأنه المحق وأني كنت المبطل وأني راجعٌ إلى قوله . فهجم عليه من ذلك أمر مبهت وقال لي : وتسمح نفسك بهذا ؟! فقلت له : نعم ، ولو أمكنني ذلك في وقتي هذا لما أخّرته إلى غد " .

قال أبو عبدالرحمن : واعلم أن آخر رأي الإمام الجليل ابن حزم ـ رحمه الله ـ في الغناء ما جاء في " جامع المجلى " ( ص 84 ـ الذخيرة ) من قوله :

" واللهو مباح وترك سماعه أفضل " .

* قال العلامة الشيخ الفاضل عبدالله بن يوسف الجديع في تقدمة كتابه العجاب " أحاديث ذم الغِناء والمعازف في الميزان " (ص 8ـ 9) وهو في معرض الحديث عن الفريقين المانع والمبيح وأدلة كل فريق :

" ولقد كان من ثمرة هذا النزاع تطاول بعض المتأخرين على نقلة الآثار وحملةِ الشريعة ، وما ذاك بغريب من أصحاب الأهواء ، فهذا شأنهم في كل عصر ومصر ، تحملهم العصبية لمنهج أو طريقة على الطعن على مخالفيهم ، من غير التماس عذر ، بل ليتهم يسكتون بلا ثناء ولا ذم ، فإنَّ " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " ولكن هؤلاء أبَوْا إلا نشر مذاهبهم على المنهج من الثلب للعلماء والطعن عليهم ، لئلا يلتفت الناس إلى أقوالهم ، ولا يقتدوا بأثرهم ، ولتكون الكلمة الأخيرة لهذا الطاعن المتطاول ، ووالله إنّ في مؤيديهم من لهم من الزلّات والمآخذ ما تهون معه زلّات خصومهم ، ولكن عميت الأبصار عن إدراك ما يخالف الهوى ، فإلى الله المشتكى " .

وقال أيضاً وهو في معرض الدفاع عن الإمامين الجليلين ابن حزم وابن طاهر ـ رحمهما الله تعالى ـ (ص 10ـ 11) :

" والوجب أن لا تحملنا العصبية لمذهب ، أو قول ، على الطعن في أعراض العلماء ، والنيل منهم ، فوالله لقد رأيت فيمن طعنوا على هذين الإمامين من لم يقاربوهما معرفة ، ولا اتباعاً للأثر ، بل ولا ديانة ـ إن شاء الله ـ ولست أقول هذا تأييداً لمذهبهما ، أو نصرة له ، وإنما لأجل أن ربنا عز وجل أمرنا بالعدل في القول : ( وإذا قُلْتُم فاعْدِلوا وَلَوْ كان ذا قُرْبى ) هذا لو كان في حقّ عامي من سائر المسلمين ، فكيف يكون الحال في حق أئمة الدين ؟ " .

* قال أبو عبدالرحمن : كلمة أعجبتني حول موضوع الغناء والموسيقى للعلامة الأديب الشيخ علي الطنطاوي في كتابه " الفتاوى " (ص 110ـ 111) أحب أن أنقلها لكم ، قال :

" والاختلاف اليوم في أمر الغناء والموسيقى ناشىء ( كما أرى ) عن أمرين :

أولهما : إن من يقول بالإباحة ومن يذهب إلى المنع لا يتكلمان عن شيء واحد ، مع أن الواجب قبل المناظرة تحديد موضوعها .

فالذين يحرمون يتكلمون عن الغناء والموسيقى بوضعهما الحاضر ، ولا شك أنه على هذه الحال ممنوع غالباً لأنه يقترن بمحرمات ، ويؤدي إلى محرمات ، ويشغل عن واجبات ، ويهدر أموالاً الأمة أحوج إلى ريعها فيما هو أنفع لها ، وأجدى عليها منهما ، وفتح المدارس للعلم وإعداد الجيش للدفاع ، أولى من الطرب بالغناء .

والذين يبيحون يتكلمون عن الغناء والموسيقى من حيث أنهما أصوات موزونة مطربة تسلي ولا تؤذي ، ويضعون لهذه الإباحة حدوداً ويشترطون لها شروطاً .

ومن حقق رأى الاختلاف في كثير من الحالات لفظياً ، لا حقيقياً .

ثانيهما : إن الطريق الصحيح للاجتهاد هو أن نجمع الأدلة الثابتة ونفهمها ونتبعها فحيثما انتهت بنا وقفنا ، إما إلى التحريم أو الإباحة .

وبعض الناس يقلبون الوضع ، فيضعون النتيجة التي يريدونها إما التحريم المطلق وإما الإباحة ، ثم يأخذون من الأدلة ما يؤدي بهم إلى هذه النتيجة ، ومنهم من يدع الصحيح ويأخذ ما لم يصح ، وقد يُفَسَّر اللفظ على معنى يحصره فيه ، مع إمكان فهم معنى غيره " .

* قد ألف كثير من العلماء كتباً في السماع ، والبعض ضمن ذلك بعض كتبه المعروفة ، منهم من خلص إلى التحريم ، ومنهم من خلص إلى الجواز . وهاأنا أذكر جملة من تلكم التصانيف :



ـ الإمتاع بحكم السماع للشيخ أبي عبدالله محمد الخيضري .

2ـ السماع للشيخ محمد بن إسماعيل الزبيدي .

3ـ السماع للشيخ أبو منصور البغدادي .

4ـ السماع للشيخ شهاب الدين الحديدي .

5ـ الإمتاع في أحكام السماع للشيخ ابي الفضل جعفر الأدفوي الشافعي .

6ـ السماع للحافظ محمد بن طاهر القيسراني .

7ـ أحكام القرآن للقاضي أبي بكر بن العربي .

8ـ إحياء علوم الدين للشيخ أبي حامد الغزالي .

9ـ رسالة الملاهي للإمام أبي محمد بن حزم .

10ـ المحلى للإمام أبي محمد بن حزم .

11ـ قوت القلوب للشيخ أبي طالب المكي .

12ـ العقد الفريد للعلامة أحمد بن عبدالربه الأندلسي القرطبي .

13ـ الرخصة في السماع للإمام ابن قتيبة .

14ـ بوارق الإلماع في تكفير من يحرم مطلق السماع للشيخ أحمد الغزالي ( وهو أخو الغزالي مؤلف كتاب الإحياء ) .

15ـ إيضاح الدلالات في سماع الآلات للشيخ عبدالغني النابلسي .

16ـ أحكام الملاهي للعلامة أبي الحسن بن المنادي .

17ـ ذم الملاهي للإمام ابن أبي الدنيا .

18ـ ربيع الأبرار للشيخ الزمخشري .

19ـ السماع للإمام عز الدين عبدالسلام .

20ـ تحريم اليراع للشيخ أبي القاسم الدولعي .

21ـ تحريم السماع للإمام أبي بكر الطرطوشي .

22ـ فتيا في ذم الشبابة والرقص والسماع للشيخ موفق الدين أبي محمد عبدالله بن أحمد بن قدامة .

23ـ فرح الأسماع بِرُخص السَّماع للشيخ محمد الشاذلي .

24ـ حكم الغناء والمعازف في الفقه الإسلامي للدكتور عبدالفتاح محمود إدريس .

25ـ كشف القناع في حكم الوجد والسماع للشيخ أبي العباس أحمد بن عمر الأندلسي القرطبي .

26ـ بغية المشتاق في حكم اللهو واللعب والسباق للدكتور حمدي عبدالمنعم شلبي .

27ـ الإسلام والفنون الجميلة للدكتور محمد عمارة .

28ـ الحلال والحرام في الإسلام ( ص 291ـ 295) للدكتور يوسف القرضاوي .

29ـ فتاوى معاصرة (1/ 688ـ 693) للدكتور يوسف القرضاوي .

30ـ الفتاوى (ص 409ـ 414) للشيخ محمود شلتوت .

31ـ فتاوى علي الطنطاوي ( ص 106ـ 111) .

32ـ الحلال والحرام في الإسلام ( ص 527ـ 531) للشيخ أحمد محمد عساف .

33ـ الإمتاع والانتفاع بمسألة السماع للشيخ أبي الدراج السبتي .

34ـ نيل الأوطار ( 8/ 260ـ 271) للإمام الشوكاني .

35ـ إبطال دعوى الإجماع في تحريم مطلق السماع للإمام الشوكاني . ( وقد طبعت هذه الرسالة من قر يب في مصر ) .

36ـ الرخصة في الغناء والطرب بشرطه للإمام الذهبي ( وهو اختصار من كتاب الإمتاع في أحكام السماع للأدفوي الشافعي ) .

37ـ تحريم آلات الطرب للإمام محمد ناصر الدين الألباني .

38ـ فقه السنة للشيخ سيد سابق ( باب البيع : 3/ 56) .

39ـ كشفُ الغِطاء عن حُكمِ سماع الغِناء للإمام ابن قيم الجوزية .

40ـ إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان للإمام ابن قيم الجوزية .

41ـ الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام للشيخ عبدالله بن يوسف الجديع .

42ـ أحاديث المعازف والغناء دراسة حديثية نقدية لمحمد عبدالكريم عبدالرحمن .

43ـ أحكام الغناء في الشريعة الإسلامية لحسن أحمد الهوَّاري .

44ـ الغناء والمعازف في الإعلام المعاصر وحكمهما في الإسلام لمحمد عبدالرحمن المرعشلي .))
1

************************************************
انتهى البحث ..

فأقول ..

إن لكل منا عقل .. والدين يسر ..

والفنون لا تتعارض مطلقاً من كون المرء مؤمناً أو ملحداً

بل قد تقود المرء من الطهر الى العهر ..

أو العكس !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- موقع الشيخ يوسف القرضاوي وموقفه من الموسيقى:

كتاب: الإسلام والفن

http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=3785&version=1&template_id=74&parent_id=1